فصل: (شَجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسّانَ فِي ذَلِكَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[شَجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسّانَ فِي ذَلِكَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ اللّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةُ، فَرَفَعَتْهُ لِقُرَيْشِ فَلَاثُوا بِهِ. وَكَانَ اللّوَاءُ مَعَ صُؤَابٍ غُلَامٌ لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ حَبَشِيّ وَكَانَ آخِرُ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى قُطِعَتْ يَدَاهُ ثُمّ بَرَكَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ اللّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتّى قُتِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ اللّهُمّ هَلْ أَعْزَرْت- يَقُولَ أَعَذَرْت- فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:
فَخَرْتُمْ بِاللّوَاءِ وَشَرّ فَخْرٍ ** لِوَاءٌ حِينَ رُدّ إلَى صُؤَابِ

جَعَلْتُمْ فَخَرَكُمْ فِيهِ بِعَبْدٍ ** وَأَلْأَمُ مَنْ يَطَا عَفَرَ التّرَابِ

ظَنَنْتُمْ وَالسّفِيهُ لَهُ ظُنُونُ ** وَمَا إنْ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ الصّوَابِ

بِأَنّ جِلَادَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا ** بِمَكّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ الْعِيَابِ

أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهُ ** وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: آخِرُهَا بَيْتًا يُرْوَى لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ وَأَنْشَدَنِيهِ لَهُ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ:
أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهَا ** وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ

فِي أَبْيَاتٍ لَهُ يَعْنِي امْرَأَتَهُ فِي غَيْرِ حَدِيثِ أُحُدٍ. وَتُرْوَى الْأَبْيَاتُ أَيْضًا لِمَعْقِلِ بْنِ خُوَيْلِد الْهُذَلِيّ.

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي عُمْرَةِ الْحَارِثِيّةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَأْنِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةِ وَرَفْعِهَا اللّوَاءِ:
إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ** جِدَايَةُ شِرْكٍ مُعْلِمَاتِ الْحَوَاجِبِ

أَقَمْنَا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا مُنَكّلًا ** وَحُزْنَاهُمْ بِالضّرْبِ مِنْ كُلّ جَانِبِ

فَلَوْلَا لِوَاءُ الْحَارِثِيّةِ أَصْبَحُوا ** يُبَاعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ بَيْعَ الْجَلَائِبِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.

.[مَا لَقِيَهُ الرّسُولُ يَوْمَ أُحُدٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَأَصَابَ فِيهِمْ الْعَدُوّ، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالشّهَادَةِ حَتّى خَلَصَ الْعَدُوّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَدُثّ بِالْحِجَارَةِ حَتّى وَقَعَ لِشِقّهِ فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجّ فِي وَجْهِهِ وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ وَكَانَ الّذِي أَصَابَهُ عُتْبَة بْنُ أَبِي وَقّاصٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجّ فِي وَجْهِهِ فَجَعَلَ الدّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدّمَ وَهُوَ يَقُولُ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبّهِمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ}. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ رُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ عُتْبَة بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السّفْلَى، وَجَرَحَ شَفَتَهُ السّفْلَى، وَأَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ شَجّهُ فِي جَبْهَتِهِ وَأَنّ ابْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وَجْنَتَهُ فَدَخَلَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ وَجْنَتَهُ وَوَقَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَأَخَذَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَفَعَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ حَتّى اسْتَوَى قَائِمًا، وَمَصّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ، أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ الدّمّ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ ازْدَرَدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ مَسّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النّارُ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ «مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ» وَذَكَرَ يَعْنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ نَزَعَ إحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ ثُمّ نَزَعَ الْأُخْرَى، فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ الْأُخْرَى، فَكَانَ سَاقِطَ الثّنِيّتَيْنِ.

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي عُتْبَة وَمَا أَصَابَ بِهِ الرّسُولَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ:
إذَا اللّهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفِعَالِهِمْ ** وَضَرّهُمْ الرّحْمَنُ رَبّ الْمَشَارِقِ

فَأَخْزَاك رَبّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ ** وَلَقّاك قَبْلَ الْمَوْتِ إحْدَى الصّوَاعِقِ

بَسَطْتَ يَمِينًا لِلنّبِيّ تَعَمّدًا ** فَأَدْمَيْت فَاهُ قُطّعَتْ بِالْبَوَارِقِ

فَهَلّا ذَكَرْتَ اللّهَ وَالْمَنْزِلَ الّذِي ** تَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ إحْدَى الْبَوَائِقِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَقْذَعَ فِيهِمَا.

.[ابْنُ السّكَنِ وَبَلَاؤُهُ يَوْمَ أُحُدٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ؟ كَمَا حَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السّكَنِ فِي نَفَرٍ خَمْسَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ- وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ إنّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ- فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا ثُمّ رَجُلًا، يُقْتَلُونَ دُونَهُ حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادَ أَوْ عُمَارَةَ فَقَاتَلَ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمّ فَاءَتْ فِئَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَجْهَضُوهُمْ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ أَدْنُوهُ مِنّي، فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ فَوَسّدَهُ قَدِمَهُ فَمَاتَ وَخَدّهُ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم.

.[حَدِيثُ أُمّ سَعْدٍ عَنْ نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يَوْمَ أُحُدٍ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَاتَلَتْ أُمّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيّة يَوْمَ أُحُدٍ. فَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ: أَنّ أُمّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى أُمّ عُمَارَةَ فَقُلْت لَهَا: يَا خَالَةُ أَخْبِرِينِي خَبَرَك؛ فَقَالَتْ خَرَجْتُ أَوّلَ النّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فَانْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ وَالدّوْلَةُ وَالرّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ. فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُمْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبّ عَنْهُ بِالسّيْفِ وَأَرْمِي عَنْ الْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ الْجِرَاحُ إلَيّ. قَالَتْ فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ، فَقُلْت: مَنْ أَصَابَك بِهَذَا؟ قَالَتْ ابْنُ قَمِئَةَ أَقْمَأَهُ اللّهُ لَمّا وَلّى النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْبَلَ يَقُولُ دُلّونِي عَلَى مُحَمّدٍ، فَلَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُنَاسٌ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضّرْبَةَ وَلَكِنْ فَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرْبَاتٍ وَلَكِنّ عَدُوّ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ.

.[أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرّسُولِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَتَرّسَ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو دُجَانَة بِنَفْسِهِ يَقَعُ النّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ حَتّى كَثُرَ فِيهِ النّبْلُ. وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ. قَالَ سَعْدٌ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ ارْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمّي، حَتّى إنّهُ لَيُنَاوِلُنِي السّهْمَ مَا لَهُ نَصْلٌ فَيَقُولُ ارْمِ بِهِ.

.[بَلَاءُ قَتَادَةَ وَحَدِيثُ عَيْنهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتّى انْدَقّتْ سِيَتُهَا، فَأَخَذَهَا قَتَادَةَ بْنُ النّعْمَانِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ، حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهَا بِيَدِهِ فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدّهُمَا.

.[شَأْنُ أَنَسِ بْنِ النّضْرِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ رَافِع أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ قَالَ انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النّضْرِ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ مَا يُجْلِسُكُمْ؟ قَالُوا: قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَمَاذَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَبَهْ سُمّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا بِأَنَسِ بْنِ النّضْرِ يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ ضَرْبَةً فَمَا عَرَفَهُ إلّا أُخْتُهُ عَرَفَتْهُ بِبَنَاتِهِ.

.[مَا أَصَابَ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ. أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُصِيبَ فُوهُ يَوْمئِذٍ فَهُتِمَ وَجُرِحَ عِشْرِينَ جِرَاحَةً أَوْ أَكْثَرَ أَصَابَهُ بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ فَعَرِجَ.

.[أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُولَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَوْلُ النّاسِ قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ عَرَفْت عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا، هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَشَارَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَنْصِتْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَضُوا بِهِ وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوَ الشّعْبِ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ وَرَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

.[مَقْتَلُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ]:

قَالَ: فَلَمّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الشّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ أَيْ مُحَمّدُ لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ دَعُوهُ فَلَمّا دَنَا، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ فِيمَا ذُكِرَ لِي: فَلَمّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ بِهَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الشّعْرَاءُ ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ- ثُمّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَدَأْدَأَ يَقُولُ تَقَلّبَ عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، يَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا مُحَمّدُ إنّ عِنْدِي الْعَوْذَ فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُك عَلَيْهِ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ أَنَا أَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللّهُ. فَلَمّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غَيْرَ كَبِيرٍ فَاحْتَقَنَ الدّمُ قَالَ قَتَلَنِي وَاَللّهِ مُحَمّدٌ قَالُوا لَهُ ذَهَبَ وَاَللّهِ فُؤَادُك وَاَللّهِ إنْ بِك مِنْ بَأْسٍ قَالَ إنّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكّةَ أَنَا أَقْتُلُك، فَوَاَللّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيّ لَقَتَلَنِي. فَمَاتَ عَدُوّ اللّهِ ِسَرِف وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكّةَ.

.[شِعْرُ حَسّانَ فِي مَقْتَلِ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:
لَقَدْ وَرِثَ الضّلَالَةَ عَنْ أَبِيهِ ** أُبَيّ يَوْمَ بَارَزَهُ الرّسُولُ

أَتَيْتَ إلَيْهِ تَحْمِلُ رِمّ عَظْمٍ ** وَتُوعِدُهُ وَأَنْتَ بِهِ جَهُولُ

وَقَدْ قَتَلَتْ بَنُو النّجّارِ مِنْكُمْ ** أُمَيّةَ إذْ يُغَوّثُ يَا عَقِيلُ

وَتَبّ ابْنَا رَبِيعَةَ إذْ أَطَاعَا ** أَبَا جَهْلٍ لِأُمّهِمَا الْهَبُول

وَأَفْلَتْ حَارِثٌ لَمّا شَغَلْنَا ** بِأَسْرِ الْقَوْمِ أُسْرَتُهُ فَلَيْلُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أُسْرَتُهُ قَبِيلَتُهُ. وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ:
أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ عَنّي أُبَيّا ** لَقَدْ أُلْقِيَتْ فِي سُحْقِ السّعِيرِ

تَمَنّى بِالضّلَالَةِ مِنْ بَعِيدٍ ** وَتُقْسِمُ أَنْ قَدَرْت مَعَ النّذُورِ

تَمَنّيك الْأَمَانِيّ مِنْ بَعِيدٍ ** وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ

فَقَدْ لَاقَتْك طَعْنَةُ ذِي حِفَاظٍ ** كَرِيمِ الْبَيْتِ لَيْسَ بِذِي فُجُورِ

لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ طُرّا ** إذَا نَابَتْ مُلِمّاتُ الْأُمُورِ

.[انْتِهَاءُ الرّسُولِ إلَى الشّعْبِ]:

قَالَ: فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى فَمِ الشّعْبِ خَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَتّى مَلَأَ دَرَقَتَهُ مَاءً مِنْ الْمِهْرَاسِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا، فَعَافَهُ فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدّمَ وَصَبّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ نَبِيّهِ.

.[حِرْصُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَلَى قَتْلِ عُتْبَة]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ سَعْد بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا حَرَصْت عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطّ كَحِرْصِي عَلَى قَتْلِ عُتْبَة بْنِ أَبِي وَقّاصٍ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ لِسَيّئِ الْخَلْقِ مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ وَلَقَدْ كَفَانِي مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ رَسُولِهِ.

.[صُعُودُ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ وَقِتَالُ عُمَرَ لَهُمْ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالشّعْبِ مَعَهُ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: كَانَ عَلَى تِلْكَ الْخَيْلِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ إنّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى أَهْبَطُوهُمْ مِنْ الْجَبَلِ.

.[ضَعْفُ الرّسُولِ عَنْ النّهُوضِ وَمُعَاوَنَةُ طَلْحَةَ لَهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى صَخْرَةٍ مِنْ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا، وَقَدْ كَانَ بَدُنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، فَنَهَضَ بِهِ حَتّى اسْتَوَى عَلَيْهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ الزّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ يَقُولُ أَوْجَبَ طَلْحَةُ حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَبْلُغْ الدّرَجَةَ الْمَبْنِيّةَ فِي الشّعْبِ.

.[صَلَاةُ الرّسُولِ قَاعِدًا]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى الظّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ الّتِي أَصَابَتْهُ وَصَلّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا.

.[مَقْتَلُ الْيَمَانِ وَابْنِ وَقْشٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ النّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إلَى الْمُنَقّى، دُونَ الْأَعْوَصِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، قَالَ لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ مَا أَبَا لَك، مَا تَنْتَظِرُ؟ فَوَاَللّهِ لَا بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمْرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَد، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا، ثُمّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا، حَتّى دَخَلَا فِي النّاسِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا، فَأَمّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَبِي؛ فَقَالُوا: وَاَللّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ وَصَدَقُوا قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدِيَهُ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا.

.[مَقْتَلُ حَاطِبٍ وَمَقَالَةُ أَبِيهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى حَاطِبَ بْنَ أُمّيّةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَال لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى دَارِ قَوْمِهِ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أَهْلُ الدّارِ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لَهُ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّة قَالَ وَكَانَ حَاطِبٌ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفَاقُهُ فَقَالَ بِأَيّ شَيْءٍ تُبَشّرُونَهُ؟ بِجَنّةٍ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللّهِ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ نَفْسِهِ.

.[مَقْتَلُ قُزْمَانَ مُنَافِقًا كَمَا حَدّثَ الرّسُولُ بِذَلِكَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتَى لَا يُدْرَى مِمّنْ هُوَ يُقَالُ لَهُ قُزْمَانُ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إذَا ذُكِرَ لَهُ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّارِ، قَالَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ ذَا بَأْسٍ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَاحْتُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ، قَالَ فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ وَاَللّهِ لَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ، فَأَبْشِرْ قَالَ بِمَاذَا أَبْشِرُ؟ فَوَاَللّهِ إنْ قَاتَلْتُ إلّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ. قَالَ فَلَمّا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَه.

.قَتْلُ مُخَيْرِيقٍ:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَيْرِيق، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيُونِ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ، قَالُوا: إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ. فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدّتَهُ وَقَالَ إنْ أُصِبْتُ فَمَالِي لِمُحَمّدٍ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ ثُمّ غَدَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتّى قُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا- مُخَيْرِيق خَيْرُ يَهُود.

.[أَمْرُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد بْنِ صَامَتْ مُنَافِقًا، فَخَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَى الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ، فَقَتَلَهُمَا، ثُمّ لَحِقَ بِمَكّةَ بِقُرَيْشٍ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- قَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ فَفَاتَهُ فَكَانَ بِمَكّةَ ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ فِيمَا بَلَغَنِي، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: {كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} إلَى آخِرِ الْقِصّةِ.

.[تَحْقِيقُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قَتَلَ الْمُجَذّرَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ وَلَمْ يَقْتُلْ قِيسَ بْنَ زَيْدٍ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ؛ وَإِنّمَا قَتَلَ الْمُجَذّرَ لِأَنّ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ سُوَيْدًا فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد مِنْ بَعْضِ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُضَرّجَانِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَيُقَالُ بَعْضُ الْأَنْصَارِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاث.

.[أَمْرُ أُصَيْرِم]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يَقُولُ حَدّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنّةَ لَمْ يُصَلّ قَطّ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النّاسُ سَأَلُوهُ مَنْ هُوَ؟ فَيَقُولُ أُصَيْرِم، بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ قَالَ الْحُصَيْنُ فَقُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ أَسَدٍ: كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ؟ قَالَ كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ. فَلَمّا كَانَ يَوْمُ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ بَدَا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَعَدَا حَتّى دَخَلَ فِي عُرْضِ النّاسِ فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ. قَالَ فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتَلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إذَا هُمْ بِهِ فَقَالُوا: وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ مَا جَاءَ بِهِ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنّهُ لِمُنْكِرٍ لِهَذَا الْحَدِيثَ فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ فَقَالُوا: مَا جَاءَ بِك يَا عَمْرُو؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ ثُمّ أَخَذْت سَيْفِي، فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَاتَلْت حَتّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي، ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ. فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ.

.[مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلَ الْأُسْدِ يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَشَاهِدَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُد ٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ عَذَرَك، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ بَنِيّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ مَعَك فِيهِ. فَوَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَك اللّهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْك، وَقَالَ لِبَنِيهِ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ لَعَلّ اللّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشّهَادَةَ فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ.

.[هِنْدُ وَتَمْثِيلُهَا بِحَمْزَةِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَالنّسْوَةُ اللّاتِي مَعَهَا، يُمَثّلْنَ بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَجْدَعْنَ الْآذَانَ وَالْأُنُفَ حَتّى اتّخَذَتْ هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرّجَالِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا، غُلَامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَبَقَرَتْ عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ، فَلَاكَتْهَا، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا، فَلَفَظَتْهَا، ثُمّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَقَالَتْ:
نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ ** وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتِ سُعْرِ

مَا كَانَ عَنْ عُتْبَة لِي مِنْ صَبْرِ ** وَلَا أَخِي وَعَمّهِ وَبَكْرِي

شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَضَيْتُ نَذْرِي ** شَفَيْتَ وَحْشِيّ غَلِيلَ صَدْرِي

فَشُكْرُ وَحْشِيّ عَلَيّ عُمْرِي ** حَتّى تَرُمّ أَعْظُمِي فِي قَبْرِي

.[شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ فِي الرّدّ عَلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة]:

فَأَجَابَتْهَا هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ:
خَزِيت فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرٍ ** يَا بِنْتَ وَقّاعٍ عَظِيمِ الْكُفْرِ

صَبّحَك اللّهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ ** مَلْهَاشِمَيّيْنِ الطّوَالِ الزّهْرِ

بِكُلّ قَطّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي ** حَمْزَةُ لَيْثِيّ وَعَلِيّ صَقْرِيّ

إذْ رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوك غَدْرِي ** فَخَضّبَا مِنْهُ ضَوَاحِي النّحْرِ

وَنَذْرُك السّوءَ فَشَرّ نَذْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ أَقْذَعَتْ فِيهَا.